لما رجعت من الرحلة كنت منتشية لأنى نجحت
وكان بدأ الصراع والتحدى مع جماعة الزميل باهر وشركاه يتحول من هزار لجد، وكنا
بدأنا ندخل فى مواجهات لكن على الأقل كنت بينت كرامة، لأن الرحلة دى حققت لى حاجات
كتير:
أولاً بدأت أكسب ثقة الاستاذ ابراهيم وبدأ
يعرف أنى بت جد فى شغلى وبأعرف أتحمل المسئولية مش مجرد بنت من بنات البندر اللى
بيلبسوا بناطيل ويحطوا الأحمر والأخضر.
ثانياً بدأت أكون على أرضية قريبة من أرضية
باهر وشركاه لأن الرحلات كانت عطياهم أهمية ومجمعة البنات حواليهم، إضافة لكونهم
شبان عزاب فى مدرسة بنات فى سن مراهقة وفى أرياف كانوا عاملين زى الجاتوه قدام ناس
ما شافتش غير المش، وأنا طبعا كنت فاهمة ده لاستيعابى الظروف من حواليا ، لكن
نجاحى فى الرحلة بدأ يدعم أنشطتى ويجذب البنات ليا، ويقربهم منى أكتر، ومش كده وبس
ميزة الشغل فى الأرياف أن النجاح والفشل بيترصدوا بسرعة خاصة من الأغراب، والبنات
ما يتوصوش لما رجعوا بيوتهم والمدرسة بدأوا يحكوا بشكل كويس جداً بل بشكل أفضل مما
توقعت وده خلى كل الناس عاوزة تعرف البنت اللى ورا القصة دى، وخلى الأهالى يبدأوا
يثقوا فيا .
ثالثاً القصة دى اعتبرتها عملية الإحماء لما
قبل المعركة، لأن شخصيتى بتتشد لأى تحدى، وكنت عاوزة أوجه ضربات تثبت أقدامى أكثر
وتثبت نجاحى أكثر، فيتضاءل دور باهر وشركاه من الناس اللى كانوا بيحاولوا يتزعموا
الحرب ضد بنات البندر.
وعشان كده بدأت أتوسع فى نشاطى مع البنات
وهما بدأوا يتوافدوا عليا بشكل أكبر، فى الفترة دى كانت علاقتى اتحسنت أوى واتوطدت
بشلة البندر، وكمان غيظ مروة ورضوى من باهر وشلته اللى كانوا بيستضعفوهم قبل مجينا
خلانا نكون زى عصابة بنات فى مواجهة عصابة أولاد، القصة دى على فكرة خلتنى أنسى
قرفى من الشغل والبلد والمدرسة، وأركز بس على أنى لازم كل يوم أوسع مساحتى جوه
المدرسة، وبصراحة عصابتى كانت دمها خفيف وكنا عصابة زى السكر، لدرجة أنى باعتبر
السنة دى أحلى سنة فى عمرى المهنى من يوم ما اشتغلت، والمجموعة دى وقتها كانت
أفضل مجموعة اشتغلت معاها.
واللى زود القصة أكتر وسخن التحدى، هو أننا
كتبت حاجات على الكمبيوتر ورجعت مالقيتهاش والشخص الوحيد اللى كان استعمل كمبيوتر
المدرسة وراياى كان باهر، الحقيقة مش عارفة أنا نسيت اسيف الشغل اللى كتبته ولا هو
فعلا دخل وحذفه، المهم أنا وقتها رحيت واشتكيت للاستاذ ابراهيم وكبرت المسألة
والحقيقة هو لامه بس كانوا كلهم كأنهم بيسخروا منى وبيعاملونى على إنى طفلة عشان
كده كان لازم أفهمهم أنى صاحبة سطوة رغماً عن أنف الجميع.
وجه وقت حفلة عيد الأم ولما بدأت اتكلم فى
قصة الحفلة، قامت عاصفة هوجاء، وكأنى هأعمل حفلة لفيفى عبده، مش حفلة مدرسية،
ودخلنا فى قصة حرام وحلال وعيب وما يصحش، وفى النهاية قررت ما اتجادلش و أجهز
للحفلة وعصابتى تضامنت معاياى وطالبات المدرسة، وكل المدرسين والمدرسات الباقيين
اعترضوا ووقفوا ضدى، وغلطونى، دا حتى السكرتير رفض يصرف ولا مليم من الميزانية
عشان الحفلة دى، لكن أنا قررت أنفذها ولما جه عيد الأم نزلت البنات الحوش رغم
اعتراض الجميع وعصابتى طبعا ساعدونى وفجأة المدرسين لقوا نفسهم فى الفصول لوحدهم
فسابوا لى المدرسة كلهم وروحوا بيوتهم وفضلت لوحدى مع عصابتى و800 بنت من غير لا
ناظر ولا وكيل ولا غفير حتى، وطبعا ما كنش قدامى الا الحوش وحضراتكم فاكرين طبعا
أن الحوش ده كان مليان قش وحيوانات من بتوع الجيران لأنه من غير سور، بس استغليت
امكانيات الطبيعة، وقعدت البنات على القش، وجبت ترابيزتين من جوه الفصول وعملتهم
مسرح، وجبت بنت صوتها حلو فى القرآن طلعت قرأت قرآن وبنت تانية قالت شعر، وبنت غنت
أغانى لعيد الأم، وواحدة من عصابتى طلعت
بنات يمثلوا مسرحية فجآتنى بيها ولقيت الجيران واقفين يتفرجوا هما وأولادهم ،
وبدأت البنات تتشجع اللى تطلع تقلد واللى تقول مسابقات وبنتين راحوا اشتروا
بونبونى ووزعوه على البنات قمت عنداً فى هيئة المدرسة بعتت اشتريت بسكويت ووزعته
علي الطالبات، وعلى ميعاد انصراف المدرسة روحنا كلنا، وكنا أنا والعصابة رغم تعبنا
وهلاكنا ووقفتنا لوحدنا وصوتنا المبحوح ووقفتنا فى الشمس، لكن كنا نازلين ضحك
بطريقة هيستيرية وكنا فرحانين أوى وكأننا كنا فى الملاهى، يظهر اللعبة دى زى ما عجبتنى
وشدتنى شدتهم كمان، وبدأ الشغل يفقد ملله، وبدأت التجربة بتاعة شغلى كأخصائية تاخد
بعد تانى خالص، خاصة بعد ما حسيت أن الطالبات محتاجين لواحدة زيى تحاول وما تيأسش
تساعدهم وهى مصرة على النجاح من دون خضوع لفكرة الفشل، وزميلاتى كانوا محتاجين
لقائد للشلة يفك عنهم الملل ويربطهم بفكرة جديدة مختلفة عن روتينهم اليومى فى
الشغل، يمكن أهدافى وأهدافهم مش واحدة لكن الأسلوب أنا اللى كنت بأحدده .
وفى الأيام التالية للحفلة كنت بأمشى فى
المدرسة وأقول يا أرض أتهدى ما عليكى قدى، كنت حاسة بنشوة الانتصار، وإنى قدرت
أنجز حاجة، وبدأت أدرس حالات البنات اللى عندى وأصنفهم ما بين حالات أسرية لحالات
مرضية لحالات أقتصادية واللى كانت كتيرة أوى، حتى كان عندى حالات نفسية، ومن قعدتى
مع البنات فى الجلسات اللى كنت بأقعدها معاهم اكتشفت أنهم غلابة أوى وعايشين تحت
خط الفقر ، وكانت أول مرة أعرف أن فيه فى مصر بلاد لسنة 2000 لا دخلتها مية ولا
كهربا والحيوانات والبنى آدميين بيناموا فى مكان واحد، وأن فى ناس دخلها الشهرى
أقل من 100 جنيه مع أنهم أسر مكونة من 6 و7 أفراد، ودا خلانى أشعر بالمسئولية تجاه
البنات دول لأنى بجد حسيت أن دراستى هتستفيد من وجودى فى المكان ده بل بدأت أشعر
أن ربنا هيأ لى الفرصة عشان أشتغل شغلانة الأخصائية الاجتماعية ، عشان أقدر أدرس
المشكلات وأحللها ويكون عندى السلطة التنفيذية أنى أحلها أو أساهم مع جهات تانية
بحلها، وبكده أبقى حطيت علم الاجتماع فى مجال التطبيق وخرجته بره مجال التنظير
والمناقشة اللى على الورق وجوه الأبحاث والمؤتمرات، وده كان حلم حياتى، لكن يا
فرحة ما تمت المنحنى بتاع الأمور كلها كان فى ارتفاع جنونى وأسهمى كانت فى زيادة
هائلة جوه المدرسة لحد ما حصلت الكارثة اللى هأحكى لكم عليها المرة الجاية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق